
لم تعد حركة ماسينا الممثلة للفيلف الإفريقي ضمن تنظيم النصرة المسلح المناوئ للأنظمة الحاكمة في الساحل، مجرد تنظيم ذي صبغة دينية، يمثل طبعة متقدمة من ائتلاف الخطاب الديني والسلاح في منطقة الساحل، بل بدا أن الظلال "الإسلامية" لم تعد تخفي الحس والمطلب القومي وحلم التوسع في المنطقة، بحثا عن أطلال وآثار دولة الفولان التي امتدت على مناطق واسعة من الساحل، وكانت أيضا تحت الظل الديني الذي كان يومها صوفيا تيجانيا محضا.
الفولان ...شعب إفريقيا المشتت
يتوزع الفولان على قرابة 20 بلدا إفريقيا ويتركزون بشكل كبير في منطقة غرب إفريقيا، وخصوصا في مالي والسنغال وساحل العاج والغينتين وموريتانيا وغيرهما من الدول الإفريقية التي يضج في أعماق أزماتها السياسية والأمنية سؤال العرق والهوية والسجال الإثني
وخلال العقود المنصرمة، عبر الفولان عن مطالبهم القومية بأكثر من وسيلة وطريقة، وقد كان الخطاب القومي المفعم بالمضمون اليساري الطريق الأسلوب الأكثر تعبيرا عن الفولان أو بالأحرى المتحدثين بالبولارية في دول عديدة، ومنها موريتانيا، غير أن تلك المطالب بل والهبات المسلحة في بعض الأحيان تم وأدها.
وبشكل خاص فإن الفولان امتازوا خلال الفترة المنصرمة، بالبعد عن المدنية الموروثة من الاستعمار والمؤسسة للدولة الوطنية في منطقة الساحل، وركزا على مسارهم التقليدي في قراهم المبنية أساسا من الأعشاب القابلة للطي والانتقال في رحلة طويلة خلف البقر.
كما أن المدارس العصرية، ظلت لفترة طويلة بعيدة من مناطق الفولان، وخصوصا في مالي التي تشكو قومياتها غير البمبار من تصفية عرقية وعنصرية دائمة.
آمادو ... مقاتل إسلامي لقومية الفولان
في 2015 برز السيد آمادو كوفا قائدا مؤثرا في تنظيم النصرة الذي يقوده القيادي الأزوادي ذو التاريخ الطويل في السياسة والحرب إياد أغ غالي، أسس كوفا داخل تنظيم النصرة فيلقا إفريقيا، وكان ذلك جزء من استراتيجيات التنظيم الجديد الذي تحول من ضيف مرعب إلى جزء من النسيج الاجتماعي في منطقة الساحل، قبل أن يوزع كتائبه إلى ما يشبه الرايات القومية.
حمل التنظيم الإفريقي اسم "حركة تحرير ماسينا" في إعادة لرمزية الاسم التراثي لقومية الفولان التي أسسها الشيخ أحمد لوبو، واتخذت من مدينة حمد الله النيجرية عاصمة له.
وقد أظهر التنظيم الفولاني في النصرة بسالة وفتكا غير طبيعي، كما أنه هجماته المتكررة، وحتى داخل العاصمة باماكو، جعلت قرى الفولان هدفا دائما للجيش المالي ومرتزقة فاغنير، وللقوات الفرنسية قبل ذلك.
ومن آخر الهجمات الدامية التي نفذها تنظيم ماسينا ضد الجيش المالي، هجمات فاتح يوليو التي شملت ثكنات وحاميات عسكرية في أكثر من منطقة منها على سبيل المثال، منطقة غوغي- نيونو- نيورو،ساندري- خاي- ديبولي- مولودو
وقد أظهرت هذه الضربات التي أسقطت عشرات القتلى من الجيش المالي:
-قدرة التنظيم وتعدد وسائله وكتائبه
الانتقام من الجيش المالي بعد عدة عمليات منهكة نفذها ضد ماسينا
رسائل غير ودية للجار الموريتاني الذي ظل بمنأى عن الأزمة المالية، كما احتضن عشرات الآلاف من الفولان الماليين الفارين من نير الحرب في بلادهم الملتهبة
الفولان أولا
تظهر تشكيلة حركة ماسينا الروح القومية، وذلك من خلال مؤشرات متعددة أبرزها:
- أحادية الانتماء: حيث تتشكل من قيادات ومقاتلين من الفولان فقط
- تقدم خطابا قوميا واضحا يتحدث عن مظالم الفولان في مالي وتستثمر الفظائع التي نفذها جيش مالي بحق قرى الفولانيين
- تفرض الحركة نموذجا "دينيا" على القرى والتجمعات الفولانية التي أًصبحت تحت سيطرتها، ويتعلق الأمر بفرض الحجاب على النساء، وإلزام الأثرياء بدفع زكواتهم للحركة
تتحرك هذه الكتائب ضمن الشريط "الفولاني" الذي يمتد من محاذاة سيلبابي في موريتانيا قبل أن يتوغل في الأراضي المالية، على مساحة تقدر بعشرات آلاف الكلمترات، كما أن الحركة بات تقترب أكثر من المثلث الخطير الذي كان هادئا، ويتعلق الأمر بمثلث الحدود الموريتانية السنغالية المالية، وتقدر مصادر أمنية أن يكون 5000 على الأقل من شباب الفولان في هذه المنطقة جاهزين للانضمام إلى التنظيم المذكور
ويمثل هذا المحضن القومي مخزونا استيراتيجيا للحركة المذكورة، حيث تقدم خطابا إسلاميا قادرا على التغلغل في صفوف الفولان المتدينين والبعيدين عن المدرسة، كما أن الحاضنة الاجتماعية توفر للحركة أيضا قدرة هائلة على التحرك والتخفي.
وزيادة على ذلك فإن اشتغال عشرات الآلاف من الفولان في الرعي، يجعل شباب هذه القومية ذا خبرة هائلة بمسارب المنطقة، زيادة على الروح القتالية العالية التي يتم تأطيرها بعاملين أحدهما ديني يمثله خطاب تنظيم القاعدة، والثاني قومي تؤطره دعاية التهميش والتصفية التي يتعرض لها الفولان
موريتانيا وأزمة ماسينا
لا تعتبر موريتانيا طرفا في الحرب الأزوادية المشتعلة منذ عقود، إلا أنها لم تكن في أي وقت في منأى عن اللهب والآثار الجانبية للحرب سواء تعلق الأمر بالتهديد الأمني أو الإنهاك الاقتصادي بسبب التدفق غير الطبيعي للاجئين.
وبشكل خاص فإن المتغيرات الجديدة في المنطقة تمثل تهديدا استيراتيجيا لموريتانيا في نواح متعددة منها على سبيل المثال
- اشتعال الحدود التي تمثل مناطق تداخل اجتماعي بين موريتانيا ومالي، سواء تعلق الأمر بقرى الفولان أو بقرى آدوابة الحراطين المتأرجحة الهوية والانتماء بين البلدين.
- إمكانية تصدير الخطاب القومي الديني الفولاني إلى موريتانيا، وخصوصا في مناطق قرى الفولان في الحوضين، حيث الاشتراك النسبي مع الفولان الماليين، وحيث البداوة والبعد من الحياة العصرية.
- تهديد المثلث الآمن: بين موريتانيا ومالي والسنغال، وهو ما يعني تحولا جديدا في أزمة الساحل.
وبين مختلف هذه التهديدات، تبدو القومية الإفريقية الطبعة الثانية من وقود الحرب والأزمات في الساحل، بعد أن ظل الطوارق والعرب الهدف الدائم لنيران الجيش المالي بل وعدد من جيوش الساحل.
* نقلا عن موقع ريم آفريك