جارنا المغرب "مملكة" ونحن "جمهورية ديموقراطية"، لكن دعونا نتوقف برهة في شأن يتعلق بحياة المواطن العادي في الدولتين، وكيف كان التعاطي معه، ولا بأس أن يستخلص كل منّا السبب فيما حصل ويحصل، ويخرج بمقترح كيف يكون العمل المناسب؟
قبل فترة حصلت احتجاجات كبيرة استمرت أسبوعين على الأقل في مدينة طنجة ـ ليس في الرباط ولا الدار البيضاء ـ بسبب ارتفاع فواتير الكهرباء من طرف شركة "امانديس" التابعة لمجموعة فيوليا الفرنسية، مما استدعى لتدخل الملك المغربي وإيفاد رئيس الوزراء ووزير الداخيلة لتلافي الأمر وعلاجه، حيث التقوا بالجهات المعنية وقدموا مقترحات عملية لحل المشكل، وتم البدء في مراجعة فواتير يوليو وأغسطس الماضيين حيث كانت أهم الأخطاء، مع سلسلة إجراءات أخرى من بينها مساعدة الأسر الفقيرة والأشخاص الذين لا دخل لهم في تكلفة الكهرباء.
هنا في العاصمة نواكشوط ـ ليس في النعمة ولا تجكجة ـ تنقطع الكهرباء ثلثيْ اليوم بعض الأحيان، وتتلف ممتلكات كثيرة، ويعاني مرضى جراء ذلك، بل إن انقطاع الماء بدأ هو الآخر (لا تنسوا أن مشكل الكهرباء كان من الأسباب الرئيسية للتحريض على الاطاحة بسيدي من لدن كتيبة البرلمان)، أما الفواتير الجزافية، وسوء الخدمات الأخرى، ومخاطر الكابلات التي حصدت ضحايا فحدث ولا حرج.
الطريف في الأمر هو أن يسكت الناس على هذا الظلم والاحتقار والفساد، فلا تسمع صوتا ولا ترى تحركا، ولو شكاية إلى قضاء، أو تسليم رسالة مكتوبة إلى رئيس فرع في عاصمة "جمهورية ديموقراطية"، وأن يثور آخرون في مدينة داخلية في "مملكة"، فهل هو الاهمال؟ أم الهوان؟ أم نقص الوعي؟ متى يتحرك المواطن من أجل حقوقه الأساسية العادية؟ متى يستفيق هذا الشعب؟ ومتى تملّ هذه العصابات الفاسدة من احتقاره وإهانته وظلمه؟
يقول اتين دي لابويسيه في كتابه "العبودية المختارة": "أي قدرة له عليكم إن لم تكونوا حماة للص الذي ينهبكم، شركاء للقاتل الذي يصرعكم، كيف يجرؤ على مهاجمتكم لولا تواطؤكم معه؟ أنّى له بالعيون التي يتبصص بها عليكم إن لم تقرضوه إياها؟ وكيف له بالأكف ّ التي بها يصفعكم إن لم يستمدها منكم؟ أنى له بالأقدام التي يدوسكم بها إن لم تكن من أقدامكم؟ كيف يقوى عليكم إن لم يقوَ بكم؟"
وقال أبو الطيب:
من يهنْ يسهل الهوان عليه / ما لجرح بميّت إيلامُ !
نقلا عن صفحة الكاتب