![](https://elhiyad.com/sites/default/files/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA%20%D8%BA%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%86%D8%A7%D9%85%D9%88.jpg)
لا تربطني علاقة قبلية ولا جهوية بالسجين المظلوم في اغوانتنامو محمدو ولد الصلاحي، وقد لا يلتقي نسبي به قبل نوح أو آدم عليهما السلام..ولا أعرفه شخصيا كما لا أعرف أحدا من أقاربه..ولا أظنني (من خلال ما قرأت عنه وله) ألتقي معه في توجه أو تيار فكري أو حتى إهتمام علمي أو وظيفي ..أما عن السياسة فلا تعجبني أصلا وأكرهها فعلا وأحمد الله تعالى أن منعتني منها الوظيفة..
ولكنني اتشرف بأخوة هذا الفتى في الدين وفي الوطن وفي الإنسانية.
كما يشرفني وأعتز بما حققه ويحققه هذا الفتى النحيف المؤمن الذكي من إنتصارات على أكبر قوة عسكرية عبر التاريخ..
نعم..إنتصارات..!!
علينا أن ننظر للجانب الآخر لهذه الملحمة..
فقد انتصر الفتى الصلاحي بإيمانه عندما تحمل جسمه النحيف ما لا تتحمله جبال الحديد من شتى أنواع التعذيب المتواصل (بدنيا ونفسيا) والذي تعرض له في سنوات عديدة بأمر شخصي وبتوقيع خاص من وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد..!!..بقي الفتى صابرا مؤمنا محتسبا الأجر عند الله تعالى ..بالرغم من أثر التعذيب عليه، بطريقة يصف محطة منها في مذكراته بقوله (..ولما أغمي علي ولم أعد أقوى على الحركة حملوني كقطة صغيرة في خنشة كبيرة..) ..ولم ينتحر عندما أقدم كثير من زملائه على الإنتحار (بعد أن أُرغموا على ذلك)..ولم يفقد عقله، مع أن معذبيه ارادوا له أن يفقد ذاكرته على الأقل بداية من تاريخ اعتقاله..!!
وانتصر الفتى المؤمن عندما تعلم اللغة الإنجليزية من معذبيه !! في وقت وجيز ، وكتب بها فصولا من ملحمته الخالدة بأسلوب شيق أخاذ تدافع إليه الأمريكيون (والعالم من بعدهم بعد ترجمة المذكرات إلى 24 لغة) بطريقة لم تحصل لهم مع إصدارات كبار كتابهم من أمثال أرنيست هيمنغواي وسكوت فيتزغارد وهاربير ليي وجون اشتينبيك..وغيرهم.
وكان من شرفي أن أعيش مشهدا من مشاهد هذا الإنتصار وصفحة من صفحاته منتصف يناير الماضي عندما كنت في الولايات المتحدة وحصلت على آخر نسختين في مكتبة Barnes & Noble Library في وسط مدينة دينفير (كولورادو) من مذكرات السجين الموريتاني،..كنت أتخيل كل شخص واقف في الطابور ينتظر المذكرات وقد وضع كبرياء وجبروت الولايات المتحدة تحت قدميه!!!..كنت أحدث نفسي وأنا في طريق العودة إلى الفندق وأقول: (لقد أنتصر الفتى الحسني ـ نعم لقد فعلها !!ـ ..يكفيه إنتصارا هذا المشهد !!..لن يضره ما أصابه بعد اليوم..!!).
وكان الفتى قد انتصر قبل نشر مذكراته في معركته القانونية التي استمرت لما يزيد على 6 سنوات من أجل السماح بنشر المذكرات، قبل أن يُذعن البانتاغون في صيف 2012 ويسلم لدفاعه مسودة المذكرات التاريخية بالرغم مما تعرضت له من كشط ومحو.
وانتصر قبل ذلك يوم 22 مارس 2010 عندما أصدر القاضي الفيدرالي العادل/ روبرتسون في مقاطعة واشنطن العاصمة قراره الذي أمر بالإفراج الفوري عن السجين ولد الصلاحي وقرر حقه في أن يحاكم محاكمة علنية.
وأنتصر حين تلاشت هيبة القضاء الأمريكي وفقد بريقه وخابت دعاية العدل والإستقلالية عندما ألغت محكمة الإستئناف الفيدرالية قرار القاضي روبرتسون وأعادت الملف إلى المحكمة الفيدرالية في العاصمة واشنطن ليُلقى به في الدهاليز المظلمة للمحكمة منذ 05 أغسطس 2010 إلى يومنا هذا، دون أن يحصل على مجرد الجدولة. بالرغم من إلحاح النقابة الأمريكية للحريات المدنية ACLU وطلباتها المتكررة !!.
وأنتصر حين تراجعت الحكومة الأمريكية عن تهمها "الخطيرة" بإعتباره "سمكة كبيرة" و "قائد خلية هامبورغ" و "الرجل الثاني في فريق هجمات الحادي عشر من سبتمبر "..!!..الخ، فتراجعت عن هذه التهم وغيرها، وكتبت في مذكرة إستئنافها في أبريل 2010: ( ترغب الولايات المتحدة في الإبقاء على محمدو ولد الصلاحي معتقلا على أساس أنه "كان" "طرفا" في القاعدة، ليس لأنه حارب مع القاعدة أو مع حلفائها ضد الولايات المتحدة، ولكن لأنه أدى يمين الولاء للمنظمة وأرتبط بأعضائها وساعدها بطرق مختلفة، بما في ذلك إستضافته لقادتها، وإحالته بعض الجاهديين المتحمسين إلى عميل للقاعدة). نعم كان ولد الصلاحي عضوا في القاعدة..!! ولكن متى كان ذلك؟ الجواب: عندما كانت تدعمها الولايات المتحدة وتدرب أعضائها..!!.
وأنتصر الفتى الموريتاني حين استقال إثنان من الإدعاء العام العسكري بعد تحقيقهما في قضيته واستجوابه في جلسات مختلفة ( هما المدعي ستو كوتش Stu Couch والعقيد من سلاح الطيران موريس ديفس U.S. Air Force Col. Morris Davis).
و انتصر الفتى الموريتاني في الثاني من شهر يونيو الماضي عندما وجدت مذكراته طريقها إلى هوليوود فلقيت إقبالا واسعا وأنهالت عليها الطلبات من كبار المنتجين في بيفرلي هيلز. وحاز إثنان من أشهر منتجي صناعة السينما في هذا العصر (هما Lloyd Levin و Michael Bronner ),على حقوق إنتاج فيلم عن حياة الفتى الموريتاني ومأساته التي حولها لإنتصارات متتالية..وتتوقع أوساط فنية (بحسب الكاتب الصحفي Mike Fleming Jr من مجلة Deadline Hollywood) نجاحا معتبرا للفيلم الجديد.
وينتصر الفتى ولد الصلاحي هذه الأيام بتجاوز عدد الموقعين على عريضة إطلاق سراحه (والموجهة من نقابة الحريات المدنية الأمريكية لحكومة الولايات المتحدة ) عشرات الآلاف (قليل منهم من هذا المنكب البرزخي).
ولن يؤثر على هذه الإنتصارات أن يتسلل البعض من الرويبضة إلى حقل فوضى في هذا المنكب، نُطلق عليه إصطلاحا "الصحافة"ليصف الفتى المؤمن بأنه "إرهابي..إرهابي" أو أنه " شادية" أو "مقطوع أنعاله" .. !!.
غفر الله لنا ولكم أهل المنكب..وأسعد الله أوقاتكم..وفك أسر المأسورين.
القاضي عبد الله شماد